رنا Admin
عدد الرسائل : 103 الموقع : www.mltka-alahba.ahlamontada.net تاريخ التسجيل : 30/08/2008
| موضوع: شقراء.. في زنزانة سبتمبر 13th 2008, 8:20 am | |
| شقراء.. في زنزانة! بقلم: محمو... شقراء.. في زنزانة! بقلم: محمود صلاح
ربما كانت 'س' أغرب سجينة التقيتها في سجن النساء لانها كانت اجملهن علي الاطلاق.. ليس لانها واحدة من بنات الطبقة الارستقراطية التي يصعب ان تتعود علي خشونة حياة السجون، لكن لأن حكايتها لم تكن حكاية عادية.. ثم لأنها السجينة الوحيدة التي لم تشعر بالسعادة وهم يفتحون لها أبواب الزنزانة قائلين ، مبروك.. لقد تم الافراج عنك! في زنزانة التقيتها.. شقراء في الثلاثين من عمرها، ملابس السجينات البيضاء لم تستطع ان تخفي رشاقتها التي تميل الي النحافة، شحوب وجهها لم يغط علي جمالها الواضح، متوترة بعض الشيء، كان هناك هدوء عجيب يستقر في نظرات عينيها. لم أكد أعرف عنها سوي القليل مما حدثني به مأمور سجن النساء بالقناطر، قال لي إنها دخلت السجن في قضية عادية، لكنه سرعان ما اكتشف أنها مدمنة مخدرات. في البداية حاول أن يساعدها فترددت، لكنها بعد قليل استجابت، كانت لديها من الشجاعة والقدرة علي التحمل ما جعلها تقلع تماما عن تعاطي المخدر الملعون، أصبحت انسانة اخري تماما، لكنها عندما علمت انه سوف يتم الافراج عنها خلال ايام عاد إليها القلق والتوتر حتي إنها طلبت منه ان يبقي عليها في السجن حتي لاتخرج وتعود إلي الادمان مرة أخري. لم تكن متحفظة كما تفعل بعض السجينات في مثل هذه الظروف.. قالت انها رغم كل شيء انسانة متعلمة ومثقفة وليس لديها مانع من ان تروي حكايتها مع الضياع والادمان لعلها تكون عبرة لغيرها. حلقت السجينة الشقراء بنظراتها في سقف الزنزانة، عندما بادرتها بسؤال: من أنت؟ تنهدت وكأنها تعتصر المرارة من شريط ذكريات حياتها ثم بدأت تتحدث في صوت هامس حزين .. والدي كان رجلا محترما يحتل منصبا مرموقا اما والدتي فقد كانت ربة بيت. نحن ننتمي إلي هذه الطبقة التي يطلق عليها الناس 'طبقة الذوات' او الارستقراطيين، نعيش حياة مرفهة نتردد بانتظام علي نادي الجزيرة ورغم انني حصلت علي شهادتي الجامعية من جامعة مصرية الا أن معظم اخوتي درسوا في الخارج واستقروا هناك.. لم أعرف من الدنيا غير الفرح والسرور. حتي فقدت والدي ووالدتي في عام واحد منذ سنوات، وورثت عنهما مبلغا ضخما واراضي وعقارات عديدة. وكان لي اصدقاء من نفس طبقتي تعرفت عليهم في النادي، معظمهم يعيش علي هامش الحياة بلا عمل، ويعتمدون علي ثراء اسرهم، ولا هم عندهم غير التمتع بملذات الحياة، واكتشفت ان بعضهم كان يتعاطي مخدر الهيروين، كنت وحيدة وحزينة بسبب رحيل والدي وأعيش في حالة ضياع نفسي، لم يخطر علي بالي يوما أن أتعاطي أي مخدر، لم أكن حتي قد دخنت في حياتي كلها سيجارة واحدة، كانت المشروبات متاحة في بيت أهلي لكني كنت أخشي أن أتذوقها وبدأ اصدقاء وصديقات السوء يلحون علي لكي أجرب مخدر الهيروين. تقول لي صديقة: هذا شيء لذيذ للغاية وسوف يحلق بك في دنيا اخري. ويقول لي صديق آخر.. سوف يجعلك تنسين أية مشكلة في حياتك: وفي البداية ترددت. لكني ذات يوم كنت في حالة نفسية سيئة للغاية، ضعفت مقاومتي وقلت لهم: لا مانع عندي من التجربة مرة واحدة! تتنهد 'س' في اسي وتقول: ليتها كانت مرة واحدة.. ليتني عرفت ان هذا النوع من المخدرات لا توجد فيه مرة واحدة. سألتها: بماذا شعرت بعد ان تناولت الهيروين لأول مرة في حياتك؟ قالت: تقصد بعد 'أول شمة' شعرت أنني غير قادرة علي التركيز وأعترف انني أيضا شعرت باحساس غريب لم يعد هناك شيء يمكن ان يضايقني، نسيت كل شيء عدت إلي المنزل تقيأت ولم يتركني اصدقاء السوء، في اليوم التالي عرضوا علي تعاطي الهيروين عن طريق الحقن واعطوني حقنة مخففة، وأصبت بالقيء الشديد بعدها مباشرة ثم أخذوني الي بيتي حيث رقدت علي فراشي هائمة في اللاشيء فظللت فترة طويلة غير قادرة علي النوم ثم استغرقت في نوم عميق كأنني دخلت سردابا مظلما لا نهاية له، ثم بدأت أتعاطي حقنة هيروين كل يوم ولمدة أسبوع، وبعدها لم أصب بنفس الاعراض والتعب. وهل كان اصدقاؤك يعطونك الهيروين مجانا. أول وثاني مرة فقط.. بعدها قالوا لي إن هذا المخدر مرتفع الثمن ويباع بكميات ضئيلة في عبوة يسمونها 'تذكرة' قد يصل ثمنها إلي مائة جنيه، قالوا انهم اشتروا كمية تكفي 'الشلة' لمدة اسبوع فوجدت نفسي أدفع لهم ثمن ما أتعاطاه، دون أن أدري انني أدفع ثمن ضياعي. أسألها هل دخلت عالم الادمان بسهولة هكذا؟ تقول: الحقيقة انني بعد اسبوع بدأت اشعر بالقلق والخوف من الانزلاق الي طريق لا اعرفه، فقررت السفر الي الاسكندرية كنوع من الهروب لكني لم اتحمل غير يومين اثنين، ثم بدأ جسدي يؤلمني ويصرخ مطالبا بالهيروين فاتصلت بهم وأنا في حالة ضعف شديدة فحضروا واشترينا كمية بسيطة من الهيروين تعاطيناها، ثم أسرعنا بالعودة إلي القاهرة حيث بدأت أتعاطي الهيروين بانتظام ودخلت عالم الادمان.
كيف رأيت هذا العالم؟ هو عالم ضياع.. كل المدمنين ضائعون للأسف اكتشفت ان كثيرا منهم من خريجي الجامعات ويحتلون وظائف طيبة منهم الطبيب والمهندس، هذا المخدر لا يعترف بالشهادات بمجرد ان تتعاطاه تصبح عبدا له ويصبح الهيروين هو المطلب الاساسي في حياة المدمن، وأي شيء بالنسبة له لا قيمة له، قد يتخلي المدمن عن أعز مقتنياته ومجوهراته مثلا في سبيله. المهم انني أصبحت امرأة مدمنة تغيرت حياتي تماما، او بالأدق بدأت حياتي تضيع مني، وبدأت أعيش حياة اخري غير حياة البني آدمين العاديين عندما استيقظ من نومي في الصباح أشعر بنفسي متعبة، عظامي تؤلمني وعقلي غير قادر علي التركيز وأصوات غريبة تدوي في اذني واجد نفسي غير قادرة علي الكلام مع اي انسان قبل أن اتعاطي جرعة الصباح بعدها أشعر أنني عدت طبيعية واستطيع مغادرة الفراش والبيت. اذن.. لقد جربت المخدر حتي لا تصبحي طبيعية ثم أدمنت عليه حتي تصبحي طبيعية؟ هذا ما حدث معي بالضبط.. أسألها في فضول: وهل ظللت تتعاطين نفس جرعة المخدر التي بدأت بها؟ تقول 'س' في البداية كنت اتعاطي حقنة نصف سنتيمتر مخففة، ثم بدون تخفيف، ثم تدرجت الي سنتيمترين، ثم اذابة جرامين من الهيروين فيها. وهل ظللت علي علاقتك بنفس الاصدقاء الذين قادوك الي طريق الهيروين؟ ابتعدت عنهم بعد ان تعرفت إلي غيرهم، الهيروين يقود المدمن، لقد اكتشفت ان الكثيرين من ابناء طبقتي يتعاطونه هذا غير النوعيات الأخري من المدمنين. هل راح واحد ممن عرفتهم من المدمنين ضحية؟ نعم.. عرفت شابا مهذبا للغاية لم يكن به اي عيب سوي انه مدمن.. وقد سافر ذات يوم الي احدي المدن السياحية لشراء الهيروين لكنه عمل بسيارته حادثا أليما في طريق عودته وأصيب اصابات بالغة توفي بعدها بشهر.. ايضا تعرفت إلي شاب يعمل في احد الفنادق وكان قد عولج لفترة من الادمان وكان والده يصطحبه كل يوم بالسيارة الي الفندق الذي يعمل به ثم يعيده وذات يوم وبينما الاب ينتظره في ردهة الفندق فوجيء بسيارة اسعاف تنقل شخصا الي المستشفي علي وجه السرعة. واكتشف ان هذا الشخص هو ابنه الشاب الذي تعاطي اثناء عمله 'جرعة زائدة' من الهيروين ومات في المستشفي خلال ساعات وسمعت عن فتاة اخري تسكن قريبا مني فقدت حياتها ايضا بسبب جرعة زائدة.
وتكمل 'س' حكايتها المؤثرة فتقول: بعد حوالي عام من ادماني تعرفت علي زوجي الذي كان مثلي وكان يعلم انني مدمنة، وجعلنا الحب نتفق علي الاقلاع عن الادمان والابتعاد عن هذا الجو الفاسد.. قررنا الزواج والسفر الي دولة أوروبية وتزوجنا وسافرنا وعشنا شهورا في سعادة وانجبت طفلي الوحيد وبدأت اشعر انني عدت الي الحياة من جديد.. رغم انني ظللت لفترة أنام واحلم بالهيروين وعندما استيقظ اشعر بأنني مجنونة. كنت اذن تعانين من الحنين إلي المخدر؟ معاناة صعبة لا يمكن وصفها . كم كان وزنك قبل الادمان؟ كان وزني 64 كيلو جراما.. وانقصني الي خمسين كيلو جراما. ألم تشعري بالخوف علي طفلك وانت ووالده كنتما من المدمنين! الحقيقة انني شعرت بالخوف وعرضت نفسي علي بعض الاطباء في أوروبا لمعرفة نسبة المخدر في دمي لكنهم وجدوها نسبة ضعيفة واعترف أنني قبلها فكرت في الاجهاض لكن الطفل جاء سليما والحمد لله وعدت الي مصر بعد انجابه بشهرين وبدأت مع زوجي ننصح اصدقاءنا المدمنين ليحاولوا الاقلاع مثلنا لكنهم للأسف بدأوا من ناحيتهم اغراءنا بالعودة إلي المخدر من جديد. كيف؟ كانوا يتعاطون الهيروين أمام أعيننا وهكذا بدأنا نشعر بالحنين إليه ثم أخذوا يتحدثون عن أصناف جديدة منه قوية المفعول وهكذا بدأت ارادتنا تضعف وفي احدي المرات قررنا أن نتعاطي لمرة واحدة بعد ان اقلعنا عن الادمان عاما ونصف العام وفي السيارة تناولت وزوجي جرعة الهيروين وانتابنا شعور جميل.. بعدها بأيام تشاجرت مع زوجي مشاجرة زوجية عادية وفوجئت به يترك البيت ويذهب لشراء هيروين ثم عاد وتعاطاه فقررت ان أتعاطي مثله وهددته بأنه اذا لم يوافق فسوف اخبر والده فعاد إلي تاجر المخدرات واشتري لي جرعة وهكذا عدنا إلي الادمان واصبحنا نتعاطي الهيروين كل يوم! هنا.. أنا التي أشعر بالأسي! وسألتها بدهشة: وطفلك؟ تقول: امتنعت عن ارضاعه.. كنت أعلم الخطر الذي يمكن ان أعرضه له اذا أرضعته وأنا أتعاطي المخدر، الذي قتل سعادتي الزوجية وأقول لنفسي انني لو كنت تزوجت شخصا غير مدمن لكان قد ساعدني واعادني الي الطريق الصحيح.. وبدأت لا احترمه وأعامله معاملة سيئة حتي أنني طلبت منه المخدر وأنا في حالة عدم قدرة علي اتخاذ قرار نتيجة اصابتنا بحالة شلل في التفكير. كيف لامرأة جميلة مثلك ان تسمح لنفسها بأن تشوه جمالها بيديها عن طريق هذه الحقن المستمرة؟ المدمن سرعان مايفقد احساسه بالاشياء العادية.. بعد ان ادمنت لم أعد افكر في جمالي او مظهري.. كل ما كان يعنيني هو الحصول علي الهيروين. بعض الشباب يعتقد ان لهذا المخدر علاقة بسعادته الزوجية؟ ربما في البداية للحظات لكنهم للأسف بعد ذلك ينتهون تماما كرجال ولا يستطيع الهيروين ان يفعل لهم شيئا. هل تعرضت بسبب ادمانك لمواقف محرجة؟ المخدرات تضع المدمن في مواقف كثيرة صعبة يجد نفسه مضطرا للتعامل مع كل نوعيات البشر من المدمنين وتجار المخدرات وغيرهم.. وذات يوم هاجمني الحاح المخدر وكنت اقود سيارتي.. توقفت واعطيت نفسي الحقنة كانت الجرعة زائدة.. لم أشعر بنفسي وفقدت الوعي نقلني الناس الي المستشفي وتمكن الاطباء من انقاذي في الوقت المناسب ولم اجد معي نقودا أسدد بها فاتورة المستشفي فتركت لديهم خاتمي الماس. كيف دخلت السجن؟ صدمت شخصا بسيارتي.. الحمد لله انه أصيب اصابات بسيطة.. لكن صدر حكم بحبسي ثلاثة أشهر. كيف كان احساسك عندما خطوت بقدميك داخل هذا السجن؟ افظع احساس شعرت به هو الحاجة لتعاطي المخدر.. ذهبت ببساطة الي بعض السجينات المحبوسات في قضايا مخدرات وطلبت منهن مساعدتي.. نظرن لي في شك وريبة.. اعتقدن أنني مرشدة للبوليس لكنهن عندما تأكدن من امري ابلغنني باشفاق باستحالة حصولي علي الهيروين في السجن ولهذا لم اجد مفرا من مصارحة طبيب السجن بعد ان شعرت بانهياري بأنني مدمنة وابلغ الطبيب مأمور السجن الذي فوجئت به يحضر لمقابلتي ويعرض علي ان يتم علاجي من الادمان داخل السجن وان يكون ذلك بشكل سري.. وتأثرت للغاية من انسانية الضابط.. وبدأت العلاج. وكنت في البداية اشعر برغبة جامحة في النوم لساعات طويلة، ثم تمكن اطباء السجن من اي يسحبوا المخدر من جسدي، المسالة في جوهوها نفسية لقد ساعدوا ارادتي ثم بدأوا يعالجونني بالعقاقير ويوما بعد يوم بدأت استجيب للعلاج وخرجت إلي فناء السجن وشعرت انني أري الشمس وأشم الهواء النقي لأول مرة وانني ولدت من جديد. لكنك عندما علمت بخبر الافراج عنك بعد أيام طلبت من مأمور السجن ان تظلي في الزنزانة؟ نعم.. شعرت بالخوف من ان أعود ثانية الي نفس دائرة اصدقاء الادمان. فماذا اذن؟ حدثتني في هدوء قالت لي: ان القدر وضعني في السجن ليكون اخر محطات الضياع وانني حصلت علي فرصة عمري بعد انسحاب المخدر من دمائي تماما، ثم ابلغتني بخبر جميل وهو أن زوجي بدأ في الخارج العلاج من الادمان وهكذا اصبح لدي هدف في الحياة أن اخرج لاساعد زوجي وأرعي طفلي.. والقي خلف ظهري بهذه الصفحات السوداء من تاريخ حياتي. بعد اسابيع علمت انها غادرت السجن.. فهل نفذت وعدها؟ | |
|