ثــلاث وصــايا نبـوية تنظــم حيــاتك ...
من هــدي رســول الله صــل الله علـــيه وسلـــم ..
يقـول رســول الله صلــى الله عليــه وسلــم فـي الحـديث
الصحــيح الــذي رواه الترمــذي عــن معــاذ بـن جبــل
رضـي الله عـنه:
“اتــق الله حيثــما كــنت واتبــع الســيئة الحســنة
تمــحها وخــالق النــاس بخلــق حســن”.
لقـد تضمـن هذا الحـديث ثـلاث وصـايا جـامعة انتظـمت
جميـع المعـامـلات التـي يستقـيم بـها أمـر الديـن والدنيـا.
فأمـا حـق الله تعالـى فهـو أن يتقـى حـق تقـاته
بأن يطـاع فلا يعصـى ......
ويـذكر فلا ينسـى ........ويشـكر فلا يكـفر،
يحمـد علـى السـراء والضـراء كمـا ينبغـي لجـلال وجـهه وعظـيم سلطـانه.
وأمـا حقـوق العـباد ......
فأولـها حـق الإنسـان علـى نفسـه بتحقيـق أشـواق الـروح ومطـالب الجسـد فـي إطـار مـن مـراقبة الله فـي ما يأتـي وما يـذر،
وثانيـها حـق العـباد علـيه.
وقـوله صلـى الله علـيه وسلـم: “اتـق الله حيثمــا كــنت”:
توجيـه نبـوي كـريم إلـى ما يجـب أن تتـجه إليـه الهمـة ويتخـذ منـه الإنسـان درعـا تقيـه وحصـنا يـؤويه انـه التقـوى جمــاع الـخــير، ومنـتاط الفــلاح.
.::.معــاني التقـــوى.::.
وقـد وردت التقــوى فـي القــرآن بعــدة معــان،
منــها الخــوف مــن الله عــز وجــل وخشــيته ومنـه
قـوله تعـالى:
“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا” (الأحزاب: 70).
ومخــافة الله لا تكــون إلا بمعــرفته قال تعالى:
“إنما يخشـى الله من عبــاده العلــماء” (فاطر: 28).
ذلك أن مـن عــرف ربــه لم يعصــه
ومن خشــيه اخـذ بفـعل الخيـر نفسـه
وأمـن النـاس شـره، ومنـها مــراقبة الله, قـال تعـالى:
“واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير”.
ويعنــي ذلك أن علـى المـرء أن يعلـم أن الله يراه
ويعلم كل ما يفعـله فـي سـره وعـلانيته وانـه يحصـي عليـه كل تصـرفـاته
ويسجـل عليـه أو لـه كل حسنــاته وسيـئاته،
والمـؤمن الـذي يـراقب الله لا يـرى سلطـانا علـيه لمـا عـداه،
ولا يعبـد مخلصـا الا ايـاه ولا يخشـى في الحـق سـواه،
وكـذلك طـاعة الله سبحـانه وطـاعة رسـول الله صـلى الله عليـه وسلـم ففيـها امتثـال لأوامـر الله واجتنـاب نواهـيه والـوقـوف عنـد حـدوده.
وقـد يـراد بالتقـوى الحفـظ والوقـاية مـن غضـب الله وعـذابه قـال تعـالى:
“يا أيـها النـاس اعبـدوا ربـكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون” (البقرة: 21).
وقال: “وقهـم السـيئات ومـن تق السـيئات يومئـذ فقد رحمـته” (غافر: 9).
وتقــوى الله مـراتب، وفـي مقـدمتها الإيمـان بالله عـز وجـل وانـه الأحـد الفـرد الصمـد وتـأتي بعـد ذلك ارفـع درجـات التقـوى واسمـاها وهـي الاشتغـال بالله عمـا سـواه.
يقـول الحـق سبحـانه: “وما يذكـرون إلا أن يشـاء الله هـو أهـل التقـوى وأهـل المغفـرة” (المدثر: 56).
ويقـول صـلى الله عليـه وسلـم: “أثـقل مـا يوضـع في الميـزان يـوم القيـامة تقـوى الله عـز وجل وحسـن الخـلق”.
والمتقـون بمنجـاة من الهـم والحـزن والضـيق قـال تعـالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” (الطلاق: 2-3).
وقـال: “من يتق الله يجعل له من أمره يسرا” (الطلاق: 4).
الحسـنة بعـد السـيـئة
وقـوله صـلى الله عليـه وسلم “وأتبـع السيـئة الحسـنة تمحـها”:
إشـارة إلـى انـه مهمـا كـان الإنسـان حريصـا علـى تقـوى الله عـز وجـل والاعتصـام بحبـله والاستمسـاك بالـذي أوحـي إلـى الرسـول محمـد صلـى الله علـيه وسلـم،
فهـو معـرض لأن تـزل بـه القـدم، ويجـرفه تيـار الهـوى ويتـردى فـي حمـأة الرذيـلة،
ولقـد كـان من فضل الله -وهـو الغنـي عـن عبـاده- أن فتـح لهـم أبواب القـبول إذا عـادوا إليه وذكروه فاستغفـروا لذنوبهـم،
ولـم يصـروا علـى ما فعلـوا،
يرجـون رحمـته ويخشـون عـذابه قـال تعالـى:
“والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون” (آل عمران: 135) .
معــاملة النــاس
وقوله صلى الله عليه وسلم: “وخــالق النـاس بخلــق حســن”:
تنبـيه إلـى أن أهـم خصـال التقـوى حسـن الخـلق،
فهـو ركـن عظيم من أركانها، بـل إن التقـوى لا تتـم إلا به،
ولقد أفـرده رسول الله صلى الله عليه وسلـم بالذكر لمـزيد الحـاجة إليـه ودفـعا لمـا قـد يتوهـمه بعـض النـاس مـن أن التقـوى هـي القيـام بحـقوق الله فقـط، وأن ذلك وحـده كـاف فـي الوفـاء بحـق التقـوى..
والقـرآن الكـريم يوضح فـي ما جـاء به الإطـار الذي تتسـم به هذه العـلاقة فـي قـوله تعالى:
“خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”.
وما أفاده به جبريل بما علمه حين قال له:
“إن الله يأمـرك أن تصـل من قطـعك وتعطـي من حرمـك وتعـفو عمن ظلمـك”.
كمـا أن بـه تمـام رسـالات الرسـل وكمـال الإيمـان: قال صلـى الله علـيه وسلـم:
“إنمـا بعـثت لأتمـم مكـارم الأخـلاق”،
وقال صـلى الله عليـه وسـلم:
“أكمـل المؤمنيـن إيمـانا أحسنـهم خلـقا”.